فصل: التحليل اللفظي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الصابوني:

{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (56)}.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

.التحليل اللفظي:

{يصلون} الصلاة في اللغة معناها: الدعاء والاستغفار، ومنه قوله تعالى: {وصل عليهم إن صلاوتك سكن لهم} [التوبة: 103] أي أدع لهم بالمغفرة والرحمة قال الأعشى:
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ** نوما فإن لجنب المرء مضطجعا

مضجعا أي لك من الدعاء مثل ما دعوت لي به.
وسميت الصلاة المفروضة صلاة لما فيها من الدعاء والاستغفار، وتأتي الصلاة بمعنى الرحمة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم صل على آل أبي أوفى» قال الأزهري: هي بمعنى الرحمة، أي ارحم آل أبي أوفى، وقال الشاعر:
صلى على عزة الرحمن وابنتها ** ليلى وصلى على جاراتها الأخر

قال ابن عباس: أراد أن الله تعالى يرحمه، والملائكة يدعون له ويبركون.
وقال أبو العالية: صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاتهم دعاؤهم له.
{النبي} قال الجوهري: والنبي: المخبر عن الله عز وجل، لأنه أنبأ عنه وجمعه أنبياء، وفي النهاية: يجوز فيه تحقيق الهمز وتخفيفه.
قال سيبويه: ليس أحد من العرب إلا ويقول تنبأ مسيلمة بالهمز، غير أنهم تركوا الهمز في النبي كما تركوه في الذرية والبرية، إلا أهل مكة فإنهم يهمزون هذه الأحرف، ثم قال: والهمز في النبي لغة رديئة، واشتقاقه من نبأ وأنبأ أي أخبر.
وجمع النبيء: أنبئاء ونباء.
قال ابن مرداس:
يا خاتم النباء إنك مرسل ** بالخبر كل هدى السبيل هداكا

إن الألاه ثنى عليك محبة ** في خلقه ومحمدا أسماكا

أقول: كل ما ورد في القرآن من خطاب للنبي أو الرسول فإنما يقصد به محمد عليه الصلاة والسلام، خاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين.
{يؤذون الله} إيذاء الله: وصفه بما لا يليق به جل وعلا كقول اليهود: {يد الله مغلولة} و{عزير بن الله} وقول النصارى: المسيح ابن الله وأن الله ثالث ثلاثة، وقول كفار قريش: الملائكة بنات الله، وسائر ما لا يرضي الله عز وجل من الكفر والعصيان.
وإيذاء الرسول كقولهم عنه بمجنون، شاعر، ساحر، كذاب، أو إلحاق الأذى به كشج وجهه الشريف وكسر رباعيته في أحد، وأمثال ذلك من الأذى الحسي أو الأدى المعنوي، الذي كان يحلقه به المنافقون والكفار.
{لعنهم الله} اللعن: الطرد والإبعاد من رحمة الله عز وجل، قال تعالى: {ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا} [الأحزاب: 61].
{بهتانا} البهتان: الافتراء والكذب الواضح، وهو من البهت بمعنى التحير.
قال في اللسان: بهت الرجل يبهته بهتانا، وباهته: استقبله بأمر يقذفه به وهو منه برئ، والبهتان: الباطل الذي يتحير من بطلانه.
{مبينا} بينا ظاهرا لأنه واضح الكذب والبهتان، تقول: بان الشيء، وبان الأمر، وبان الحق، إذا ظهر جليا واتضح، قال الشاعر:
فبان للعقل أن العلم سيده ** فقبل العقل رأس العلم وانصرفا

وتسمى البينة لأنها تكشف الحق وتظهره.

.المعنى الإجمالي:

يخبر المولى جل وعلا بما ناله الرسول الكريم، من جاه عظيم، ومنزلة سامية، ومكانة رفيعة عند الله اتعالى، وما له من السيادة والمقام المحمود في الملأ الأعلى، وما خصه الله تعالى به من الثناء العاطر، والذكر الحسن، فيقول الله تعالى ما معناه: إن الله تعالى يرحم نبيه، ويعظم شأنه، ويرفع مقامه، وملائكته البرار، وجنده الأطهار، يدعون للنبي عليه السلام ويستغفرون له، ويطلبون من الله أن يبارك ويمجد عبده ونبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وينيله أعلى المراتب، ويظهر دينه على جميع الأديان، ويجزل له الأجر والثواب، على ما قدم لأمته من خير عميم، وفضل جسيم في أيها المؤمنون: صلوا أنتم عليه، وعظموا أمره، واتبعوا شرعه، وأكثروا من الصلاة عليه والتسليم، فحقه عليكم عظيم، ومهما فعلتم فلن تؤدوه حقه، فقد كان المنقذ لكم من الضلالة إلى الهدى، وبه أخرجكم الله من الظلمات إلى النور {هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم} [الحديد: 9] فقولوا كلما ذكر اسمه الشريف: اللهم صل على محمد وسلم تسليما كثيرا، وادعوا الله أن يجزيه عنكم خير الجزاء.
ثم أخبر تعالى أن الذين يؤذون الله ورسوله قد استحقوا غضب الله ولعنته عليهم في دنياهم وآخرتهم، وأن الله أعد لهم عذابا شديدا لا يدرك كنهه ولا يعرف هوله، وكذلك الذين آذوا المؤمنين والمؤمنات، فنسبوا إليهم ما لم يفعلوه، واتهموهم بالكذب، والزور، والبهتان، وتقولوا على ألسنتهم، ما لم يقولوه، هؤلاء الذين فعلوا ذلك لهم أيضا عذاب أليم في الدنيا والآخرة جزاء ما اقترفوا من سيئ الأعمال.

.وجه الارتباط بالآيات الكريمة السابقة:

في الآيات الكريمة السابقة كان الحديث عن حرمة دخول بيوت النبي. وعن حرمة نكاح أزواجه الطاهرات، وقد بين تعالى فيها أن شأن المؤمنين ألا تكون منهم أذية للرسول عليه الصلاة والسلام، لما له عليهم من حق عظيم، وفي هذا توجيه وإرشاد إلى تكريمه صلى الله عليه وسلم وحياطة لمقامه الشريف وهنا بين تعالى أن الله يكرم نبيه ويرحمه ويعلى شأنه، وملائكته كذلك، فكيف لايكرمه المؤمنون مع أن الله يصلي عليه؟ وهو لا يستحق إلا كل تكريم وتمجيد، فكأنه قيل لهم: لا ينبغي لكم أن تؤذوه، فإن الله يصلي عليه وملائكته، فهذا وجه الارتباط والله تعالى أعلم.

.وجوه القراءات:

قرأ الجمهور {إن الله وملائكته} بالرفع ويكون الخبر محذوفا تقديره: إن الله يصلي، وملائكته يصلون.

.وجوه الإعراب:

1- قوله تعالى: {يصلون على النبي} الجملة الفعلية في محل رفع خبر أن.
2- قوله تعالى: {وسلموا تسليما} {سلموا} أمر، و{تسليما} مفعول مطلق منصوب.
3- قوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} اسم الموصول اسم أن والخبر جملة {لعنهم الله}.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى: قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون}.
ورد ذكر الثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة، فجاء الخبر مؤكدا ب إن اهتماما به، وجيء بالجملة اسمية لإفادة الدوام، وكانت الجملة إسمية في صدرها، {إن الله} فعليه في عجزها {يصلون} للإشارة إلى أن هذا الثناء من الله تعالى، والتمجيد الدائم يتجدد وقتا فوقتا على الدوام، فتدبر هذا السر الدقيق.
اللطيفة الثانية: قد يقول قائل: إذا صلى الله وملائكته عليه فأي حاجة إلى صلاتنا عليه؟
نقول: الصلاة عليه ليس لحاجته إليها، وإلا فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاة الله عليه، وإنما هو لإظهار تعظيمه عليه السلام ليثيبنا الله تعالى عليه، ولهذا قال عليه السلام: «من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا» فصلوات ربي وسلامه عليه.
اللطيفة الثالثة: قال الإمام الفخر: الصلاة الدعاء، يقال في اللغة صلى عليه: أي دعا له، وهذا المعنى غير معقول في حق الله تعالى، فإنه لا يدعو له، لأن الدعاء للغير طلب نفعه من ثالث، والجواب: أن اللفظ المشترك يجوز استعماله في معنييه معا، وكذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ جائز وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، فالصلاة من الله بمعنى الرحمة، ومن الملائكة بمعنى الاستغفار، وهما يشتركان في العناية بحال المرحوم، والمستغفر له، والمراد هو القدر المشترك.
اللطيفة الرابعة: أمرنا الله بالصلاة على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان يكفي أن نقول صلينا عليه أو يقول الإنسان: أصلي عليه، فلماذا نقول عند الصلاة عليه: اللهم صل على محمد؟
والجواب: أن الله لما أمرنا بالصلاة عليه، ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك، أحلناه على الله تعالى، وقلنا: اللهم صل أنت على محمد، لأنك أعلم بما يليق به، فنحن عاجزون عن توفيته حقه، وقاصرون عن معرفة الثناء الذي يليق بقدره، وقد أوكلنا الأمر إليك. فتدبر سر هذه الجملة اللهم صل على محمد فإنه نفيس ودقيق.
اللطيفة الخامسة: قال بعض العلماء: معنى قولنا: اللهم صل على محمد أي عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وتضعيف أجره ومثوبته، وإعطائه المقام المحمود.

.فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

1- عن أبي طلحة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشرى في وجهه، فقلنا إنا لنرى البشرى في وجهك! فقال: «إنه أتاني الملك فقال يا محمد: إن ربك يقول: أما يرضيك أنه لا يصل عليك أحد إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا؟».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة».
وقال صلى الله عليه وسلم: «البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي».
اللهم اجعل صلواتك، ورحمتك، وبركاتك، على سيد المرسلين، وإمام المتقين، سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، إنك سميع مجيب الدعاء.

.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: ما هي صيغة الصلاة والتسليم على النبي عليه السلام؟

صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وردت فيها طرق كثيرة من السنة النبوية المطهرة، وقد ذكرت فيها صور مختلفة عن كيفية الصلاة عليه من المؤمنين، واختلافها يشعر بأن الغرض ليس تحديد كيفية خاصة وإنما هي ألوان من التعظيم والثناء له عليه السلام، وسنقتصر على بعض ما صح من هذه الكيفيات، لأن استيعابها يطول، فنقول ومن الله نستمد العون:
أولا: روى الشيخان عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله: أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال قل: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد».
ثانيا: وروى مالك وأحمد والشيخان عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا يا رسول الله: كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا: «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد».
ثالثا: وأخرج الجماعة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال قولوا: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم».
وفي بعض رواياته: «اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد».
وهناك روايات أخرى دون هذه في الصحة وتخالفها بالزيادة والنقص في مواضع كثيرة.
وما دام المراد تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم فأي عبارة تكون واردة من طريق صحيح كان لك أن تأخذ بها.
وأما التسليم فصيغته معروفة وهي أن يقول المؤمنون: السلام عليك يا رسول الله.
وفي التشهد يقول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
ومعنى التسليم: الدعاء بالسلامة من جميع البلايا والآفات والأسقام، وذهب ابن السائب إلى أن معنى التسليم: الانقياد وعدم المخالفة أي سلموا لما يأمركم به والله أعلم.

.الحكم الثاني: ما معنى صلاة الله والملائكة على النبي عليه السلام؟

تقدم معنا أن الصلاة في اللغة تأتي بمعنى الدعاء وتأتي بمعنى الرحمة وتأتي بمعنى التمجيد والثناء ومن الأخير قوله تعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} [البقرة: 157].
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الصلاة من الله تعالى على نبيه معناها تمجيده والثناء عليه وإلى هذا ذهب البخاري وطائفة من العلماء وهو أظهر.
وقال آخرون: المراد بالصلاة على النبي رحمته ومغفرته إلى هذا ذهب الحسن البصري وسعيد بن جبير، وقيل: المراد بها البركة والكرامة.
وأما صلاة الملائكة فمعناها: الدعاء له عليه السلام والاستغفار لأمته، وعلى جميع الأقوال فالصلاة من الله غير الصلاة من الملائكة.
ولما جاء اللفظ مجموعا مضافا إلى واو الجماعة {إن الله وملائكته يصلون على النبي} وكانت الصلاة من الله غير الصلاة من الملائكة لذلك فقد اختلف المفسرون في تأويل الآية على أقوال:
أ- فذهب بعضهم إلى أن في الآية حذفا دل عليه السياق تقديره: إن الله يصلي على النبي، وملائكته يصلون على النبي، فتكون واو الجماعة راجعة إلى الملائكة خاصة ويؤيد هذا قراءة الرفع {وملائكته} وليس اللفظ مشتركا بين الله تعالى وملائكته.
ب- وذهب بعضهم إلى أنه من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو اختيار الفخر الرازي ومذهب الإمام الشافعي رحمه الله، فعنهد يجوز استمال اللفظ المشترك في معنييه معا كما يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز، فيكون لفظ {يصلون} عائدا إلى الله وإلى الملائكة بالمعنيين معا ويصبح معنى الآية: إن الله تعالى يرحم نبيه وملائكته يدعون له.
ج- وذهب جماعة إلى القول بأنه من باب عموم المجاز لا من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز فيقدرون معنى مجازيا عاما، ينتظم أفرادا كثيرة يشملها هذا اللفظ، وهذا المعنى العام هو مثلا العناية بشأن النبي صلى الله عليه وسلم فالاعتناء يكون من الله تعالى على وجه، ويكون من الملائكة على وجه آخر، وهذا اختيار أبي السعود وأبي حيان والزمخشري، وغيرهم من مشاهير المفسرين.
قال أبو السعود: قوله تعالى: {يصلون على النبي} قيل: الصلاة من الله تعالى الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، وقال ابن عباس: أراد أن الله يرحمه، والملائكة يدعون له.. فينبغي أن يراد في {يصلون} معنى مجازي عام، يكون كل واحد من المعاني المذكورة فردا حقيقا له، أي يعتنون بما فيه خيره وصلاح أمره، ويهتمون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه، وذلك من الله سبحانه بالرحمة، ومن الملائكة بالدعاء والاستغفار.
وقال أبو حيان في البحر المحيط: وصلاة الله غير صلاة الملائكة فكيف اشتركا؟ والجواب: اشتركا في قدر مشترك وهو إرادة وصول الخير إليهم، فالله تعالى يريد برحمته إياهم وصول الخير إليهم، والملائكة يريدون بالاستغفار ذلك.